طارد حلمك ولو كان سرابا


جاء كافور لمصر مع من جلبوا إليها
 من عبيد يباعون في أسواقها من السودان
  وهو بين العاشرة والرابعة عشرة. 
ولم يكن كافور علي سواده
وسيماً بل كان دميماً قبيح الشكل مثقوب الشفة السفلي
 مشوه القدمين بطيئاً ثقيل القدم 
 لم يعرف حياة القصور 
 فوقع في يد أحد تجار الزيوت فسخره في شئون شتي .
وقاسي كافور الأمرين وهو يعاني من أحمال ناء بها كاهله
 فبين نير معصرة الزيت التي يديرها
 يدوس برجليه الكُسب ثم يقوم بحمل الأواني علي منكبيه
 ليجر بعدها العجلات بيديه في عمل يومي شاق
 يفترش الأرض بعدها لينام في النهاية
 كأنما قد كتب عليه أن يظل متمرغاً في الزيت بلا نهاية
 بل ولقي الكثير من العنت من سيده.
 كل هذا العناء جعل من كافور رجلاً قوياً وقادراً علي مواجهة الصعاب 
بل وشد من أزره حتي إذا خرج من تحت قبضة الزيات
وقع في يد محمود بن وهب بن عباس الكاتب ، وهنا بدأ الحظ يبتسم له.
كانت تلك النقلة هي أول الطريق نحو المجد الذي أفضي به إلي الخير
فعرف كافور السبيل نحو القراءة والكتابة فنفض يديه متاعب المعصرة
 وأدران الزيت فالسيد الجديد ابن عباس الكاتب
هذا كان موصولاً بمحمد بن طغج
 ويعرفه منذ كان قائداً من قادة تكين أمير مصر
 وقتها وقبل أن يصبح ابن طغج علي حكم مصر .
شاءت المقادير أن يحمل كافور هدية من مولاه إلي ابن طغج
 وحين رأه الإخشيد انفتح له قلبه من أول وهلة 
 فسعي لشراء هذا الصبي الأسود مقابل ثمانية عشرة ديناراً دفعها ثمناً له.
وهنا بدأت المسيرة التي كان الجد والإجتهاد شعار صاحبها والسبيل لبلوغ مرادها
 فمنذ أن حل كافور بمصر وهو يملك نفساً كبيرة ويحمل بين جوانحه قلباً كبيراً وآمالاً عريضة
 لم لا وهو الذي راوده الحلم وهو عبد صغير يباع ويشتري
ولم يكن حلم مثل هذا الدميم القبيح أكثر من أن يجد في كنف أي سيد يملكه
 سوي سكن يأويه ولقمة يسد بها جوعه ، وشربة ماء يروي بها ظمأه.
ويروون عن كافور وقت أن جلب إلي سوق النخاسة
 أنه مر ذات يوم بسوق من الأسواق بصحبة عبد مثله 
 وسارا معاً يتطلعان فقال له صاحبه :

طارد حلمك ولو كان سرابا

 أتمني لو اشتراني طباخ فأعيش عمري شبعان بما أصيب من مطبخه.
ولكن أبا المسك قال : أتمني أن أملك هذه المدينة.
عينه الإخشيد كمشرف على التعاليم الأميرية لأبنائه


ورشحه كضابط في الجيش

 كان يفضل البقاء والإخلاص
 لسيده ليس طمعا في إرثه أو هداياه
كما فعل بقية الناس 
 وعندما انتبه سيده لذكائه وموهبته
 وإخلاصه جعله حرا وأطلق سراحه.

 أرسل كافور كقائد عسكري في عام 945 لسوريا


 كما أرسل ليقود حملات أخرى في الحجاز

كما أن له خلفية بالترتيبات والشؤون الدبلوماسية
 بين الخليفة في بغداد والأمراء الإخشيديين.

أصبح الحاكم الفعلي لمصر منذ 946
 بعد وفاة محمد بن طغج (كوصي على العرش)

 كان قريبًا من قلوب المصريين لكونه سخيًا كريمًا
 وينظر بنفسه في قضاء حوائج الناس والفصل في مظالمهم، 
ويقال أن الفاطميين كلما عزموا على غزو مصر تذكروا كافورا فقالوا: 
«لن نستطيع فتح مصر قبل زوال الحجر الأسود» يعنون كافورا. 
وجد مكتوباً علي شاهده شعراً للمتنبي قال فيه :
مابال قبرك ياكافور منفرداً
بالصّحصح المرت بعد العسكر اللجب
يدوس قبرك أحاد الرجال وقد
كانت أسود الشري تخشاك في الكتب .
عبرة
ارسم حلمك يا صديقي..
لونه اصنع منه مقاسا كبيرا لجدار غرفتك..
 ونسخة صغيرة لمكتبك 
 أكتبه على المرآة كي تراه صباحاً ..
وأعلى فراشك كي يلقي عليك تحية المساء قبل أن تنام..
والأحلام مقيدة بهمم أصحابها ..