لست بالحسن الذي يظنه المحبون ولا بالسوء الذي يظنه الكارهون





لست بالحسن الذي يظنه المحبون ولا بالسوء الذي يظنه الكارهون



قصة الأعمى والأبرص والأقرع


ثلاثة من بني إسرائيل رفع كل منهم يديه إلى السماء يدعو الله أن يفرّج عنه ما فيه من مصاب .



أما الأول فكان أبرص ، وأما الثاني فأقرع ، والثالث أعمى .



فأراد الله سبحانه وتعالى أن يختبرهم ، فأرسل إليهم ملَكاً .



- فلمّا جاء الأبرصَ قال : أي شيء أحبّ إليك ؟



قال : لون حسَن ، وجلد حسن، ويذهب عني هذا البرَصُ الذي استقذرني الناسُ له ، فتقزّزتْ نفوسُهم ، وتحاشَوني .. إني لأشعر بالأسى يجرح شعوري ، والخزي ِ يلاحقـُني .



قال الملَك : ألا ترى أن الصبر على ذلك ثوابُه الجنـّة؟ 



قال : بلى ، ولكنّ العافية أوسع لي .



قال الملك : ولَئِنْ شفاك الله ما أنت صانعٌ؟ 



قال : الشكرُ لله سبحانه ، ولأكونَـنّ عند حسن ظن ربي بي .



فمسحه الملك ، فذهب عنه قذَرُه ، وانقلب كأحسن ما يكون الرجلُ .. لونٌ حسنٌ ، ومنظرٌ بهِيّ ، وعافيةٌ . .. كل ذلك بإذن الله سبحانه .



ثم قال الملَك : أي المال أحبّ إليك؟ 



قال : الإبل . ... فأعطاه الملَك ناقةً عُشَراءَ ( حاملاً) ، وقال له : بارك الله لك فيها ...



- وأتى الملَكُ الأقرعَ ، فقال : أي شيء أحبّ لك ؟



قال الأقرعُ : شعر حسنٌ ، فإن ذهاب شعري وتقيّح رأسي نفـّر الناس منّي ، وكرّهني إليهم . 



قال الملك : ولكنّ الصبر على هذه البلوى واحتساب الأجر عند الله خير .



قال الأقرع : نعم ، ولكنّ العافية أوسع لي .



قال الملك : ما تصنع إن شفاك الله وجمّلك ؟



قال : الشكرُ لله نُصب عيني ، ولأكونَنّ عند حسن ظن ربي بي . 



فمسحه الملَك ، فذهب عنه درَن رأسه بإذن الله تعالى ، وكُسِيَ شعراً جميلاً أظهر حُسنَه ، فامتلأ سعادة .



ثمّ قال الملك : أيّ المال أحبّ إليك ؟ 



قال الرجل : أحبّ البقر . ... فأعطاه الملك بقرةً حاملاً ، وقال له : بارك الله لك فيها ...



- وأتى الملك ثالثهم – الأعمى - ، فقال : أيّ شيء أحبّ لك ؟ 



قال الأعمى : أن يرد الله عليّ بصري ، فأبصر كما يبصر الناس .



قال الملك : ألست معي أن الابتلاء مع الصبر يرفع درجات المؤمن في الجنّة ؟!



قال الأعمى : بلى ، لست أنكر ذلك ، ولكنني أتحاشى الناس كي لا يقعوا منّي على ما يكرّههم فيّ ، وأرجو ربي أن يعينني على شكره . 



فمسحه الملك ، فردّ الله عليه بصره . ثم قال له : أيّ المال أحبّ إليك ؟



قال : الغنم ... فأعطاه الملك شاة والداً ، وقال له : بارك الله لك فيها ...



فأنتج الأول إبِلاً كثيرة ملأت الوادي .



وأنتج الثاني بقراً كثيراً ملأ الوادي . 



وولد الغنم ، فكان له منها وادٍ ممتلئ. 



مرّت الأيامُ ، وعاش هؤلاء الثلاثة في رغَدٍ من العيش وبُحبوحة . وعادوا في الناس كأحسن ما يكون الرجل في أهله وعشيرته ، وكان لهم في أقوامهم ومعارفهم العزُّ والسؤدُدُ ...



وحان وقتُ الاختبار ... ألمْ يدّعِ كل منهم أن يكون لله عبداً شكوراً ؟ وأن يحسن إلى الفقراء والمرضى وأبناء السبيل وأهل الحاجة ، وأن لا يرد أحداً قصَدَه ؟ وأن يكون عند حسن ظن ربه به ؟ والسعيدُ من صدَق اللهَ وعدَه. 



جاء الملك إلى من كان أبرص فشفاه الله ... جاءه على هيئته يوم كان أبرص تكره العينان رؤيته .



فقال : رجل مسكين قد انقطعت بي الحبال في سفري ، فلن أصل إلى أهلي وبلدي إلا بفضل الله ، ثم بجودك وكرمك .. أرجو أن تهبني جملاً يبلّغني الأهل والبلد . 



قال : كنت أود أن أعطيك ، ولكنني لا أستطيع لكثرة حقوق الناس عليّ وضيق يدي . 



قال الملك : أسألك بالله الذي أعطاك اللون الحسن ، والجلد الحسن ، والمال الوافر أن لا تبخل عليّ ، وأن تكرمني كما أكرمك الله .



قال : لا تُكثر المسألة أيها الرجل ، هيا اغرب عن وجهي .



قال الملك – وهو ما يزال على هيئة الأبرص – يذكّره بما كان عليه ، علّه يرعوي ، فيفي اللهَ ما وعده : كأني أعرفك ؛ ألم تكن أبرص يقذرك الناس فجمّلك الله ؟ وفقيراً ، فأغناك الله ؟



قال الرجل منكراً ذلك جاحداً نعمة الله وفضله : لم أكن كما تدّعي - أيها الأفـّاك - إنما ورثت المال عن آبائي العظام وأجدادي الكرام ، كابراً عن كابر . 



وهنا قال الملك بعد أن ذكـّر فأعذر : إن كنت كاذباً فإني أسأل الله أن تعود كما كنت .



وفجأة عاد الرجل – كما كان - أبرص كريه المنظر .. لم يف ما قطع على نفسه لله من عهد ، فعاد سيرته الأولى جزاء غدره وإخلافه . 



وأتى الملك من كان أقرع على هيئته وصورته ، فقال له مثل ما قال لسابقه . فردّ عليه بمثل ما ردّ الأبرصُ عليه . فدعا الملك عليه أن يعود أقرع كما كان يقذره الناس ويتحاشونه ، فعاد المسكين كما كان جزاء وفاقاً .. لم يحفظ نعمة الله عليه بالشكر وأداء الحقوق . 



وجاء الملك إلى من كان أعمى على هيئته وصورته السابقة فقال :



رجل مسكين ، وابن سبيل ، انقطعت بي السبل في سفري ، فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك . أسألك بالذي ردّ عليك بصرك ، ورزقك من فضله العميم شاةً أتبلغ بها في سفري . 



نظر الرجل إليه في ضعفه وفقره فأشفق عليه ، وتذكر ما كان هو عليه من هذا الضعف وقلة الحيلة ، فحمد الله تعالى على لطفه فيه .. وبالشكر تدوم النعم . 



ثم قال له : صدقت فيما قلت يا أخا الإيمان ، لقد كنتُ كما قلتَ . وقد ردّ الله عليّ بصري ، وأكرمني فرزقني ، وأقسمت لأكوننّ من الشاكرين ؛ فخذ ما شئت من الغنم ، وما رغبتَ من المال ، ولن أمنعك ذلك ، فلله المنّة أولاً وآخراً . 



قال الملك : أمسك عليك مالك ، بارك الله لك فيه ، إنما اختبرك الله وصاحبيك ، فرضي عنك وسخط عليهما .

 متفق عليه / رياض الصالحين


لست بالحسن الذي يظنه المحبون ولا بالسوء الذي يظنه الكارهون