لك شيء في هذا العالم....فقم









 عبدالله عبدالكريم السعدون


 غادرت اليمن إلى هذا البلد الطيب المملكة ولي من العمر اثنتا عشرة سنة
 أتذكر جيداً ذلك الصباح حين ودعت والدتي وإخوتي الصغار
 رأيت والدتي تبكي للمرة الأولى وتستحلف الرجال أن يهتموا بي
 مشيت حافياً تركت تلك القرية الوادعة خلفي وجعلت الشمس على جبيني الأيمن
 وسرت مع القافلة نمشي بالنهار ونستضيف أهل الخير بالليل
 ووصلت إلى جازان على حدود المملكة حيث يعمل عمي
 وله دكان صغير يبيع فيه مستلزمات الحياة اليومية
 يساعده ابنه الذي كان أكبر مني بثلاث سنوات
 عملت في المحل سنتين، وفي إحدى المرات سقط من يدي مصباح زجاجي وتهشم
 فنهرني ابن عمي وحين رددت عليه مدافعاً عن نفسي هجم علي بغضب وعضّني في فروة رأسي
 وعلقني بين الأرض والسماء
 كنت صغير الجسم نحيلاً كما ترى، أمال رأسه نحوي وقال: ألا ترى أثر العضة 
قلت لا، فأخذ يدي ومررها على رأسه وقال:
 بعد المشاجرة غير المتكافئة تملكني الغضب وغادرت مدينة جازان إلى الرياض
 أيقظت العضّة قدراتي الكامنة وأطلقتها من عقالها، كانت فاتحة خير حررتني من الخوف والتبعية
 بدأت أعمل في الرياض في أي مهنة أجدها
 كنت أتعلم بسرعة، عملت في البيع والشراء كعامل لدى الآخرين
 لكن كان لدي هدف أريد تحقيقه وهو أن يكون لي متجري الخاص بي
 وأن أملك من المال ما يكفي ويزيد لأبعث به لوالدتي
 وقد تحقق لي ذلك حينما عملت عند رجل كريم من أهل هذا البلد الطيب
 أخبرته بما أنا عازم عليه فقال لي:
 أنت رجل مكافح وكريم وأمين وسيتحقق لك
 ذلك بشرط أن تضع الهدف أمام عينيك وأن تعمل بجد وإخلاص وأمانة لتحقيقه.
عملت بنصيحته، وافتتحت فيما بعد محلاً صغيراً خاصاً بالعطور أعمل فيه ليل نهار
 كنت أراه ينمو ويكبر في كل يوم
 كانت الابتسامة جواز دخولي إلى قلوب الآخرين
 تعلمت كيف أعفو وأتسامح مع من يسيء إلي
 كبر المحل التجاري ووظفت فيه عددا من أبناء بلدي
 وتفرغت للسفر والبحث عن فرص جديدة
 دخلت في شراكة مع أناس طيبين وانتقلت من حسن إلى أحسن
 قبل أسابيع كنت في الصين واليوم في باريس
 وبعد أسبوع سأتوجه إلى موسكو
 قلت له: هل رأيت ابن عمك وشكرته على العضّة التي أيقظتك من سباتك؟
أجاب: لا حاجة إلى شكره فهو يذكّرني بها كلما رآني
 ويقول لي إن كل ما حصلت عليه من خير وما أصبت من نجاح كان بسبب تلك المشاجرة والعضّة بشكل خاص
 أما أنا فأعزو هذا النجاح لعوامل أخرى كثيرة...

 النجاح بحاجة إلى إرادة التغيير، وإلى الشجاعة في اتخاذ القرار، ورسم الهدف، ووضع الخطة وتنفيذها بكل عزيمة وأمانة وصبر وإصرار، وإن تعرضت لعضّة فاجعلها دافعاً للنجاح، لا سبباً في النكوص والفشل. من صبر على وعورة الطريق في بدايته ومشاه حافياً، استمتع بالسفر على المقاعد الوثيرة لاحقاً، لا توجد طرق قصيرة للنجاح.