من الصعب هزيمة شخص لم يهزمه اليأس من داخله 



اليوم، تحدث معي مسؤول دعم فني في شركة ما، شاب فليبيني لامع واعد. لا أدري ما دفعه ليحكي لي عن قصص قصيره شكلت بدايته مع الكمبيوترات، حيث كان من قرية فقيرة، واحتاج هو وزملاء دراسة له لكمبيوتر لإنهاء بعض الفروض الدراسية، ولأن الفقر مدقع، اتفق هو أربعة من زملائه للمشاركة بالمال في تجميع كمبيوتر متوسط، مع الاتفاق على أن يتبادل الخمسة استخدام الكمبيوتر بالتناوب، كل أسبوع يستخدمه واحد منهم، وهو ما تم.

بعد مرور عام على استخدام صاحبنا لهذا الكمبيوتر، اتفق على بيع نصيبه لرفيق له، وبدأ يعمل في محل صغير لبيع وإصلاح أجهزة الكمبيوتر، مستفيدا بالخبرة التي اكتسبها من استخدامه للكمبيوتر لأسبوع كل شهر. هذا الأسبوع جعله يجهز مقدما لما سيفعله حين يحين دوره لاستخدام الكمبيوتر، وكان لا يضيع الوقت في مالا يفيد.

هذا الشاب سافر إلى الامارات ليجرب حظه في العمل، وكانت إحدى أوائل الوظائف التي توفرت له لبس زي شخصية كرتونية للترويج لمنتج ما في حفل ما. تصادف أن الشركة المستأجرة أرادت له أن يعمل لديها في ذات الوظيفة، وذات مرة خرب جهاز كمبيوتر في الشركة فعرض إصلاحه، وهو ما برع فيه، فعينته الشركة في منصب الدعم الفني في الشركة، واليوم تعتمد عليه بشدة في مهمات كثيرة.

هذا الشاب اشترى محل كمبيوتر صغير له في بلده، وينفق عليه من عمله في الامارات، ويصر على مساعدة الطلاب في بلدته، ويتيح لهم استخدام الكمبيوتر والانترنت والطابعة بدون مقابل، وهو تأثر بأخلاق العرب، إذ يمنع الدخول على أي موقع إباحي من متجره، ويمنع الأطفال من استخدام الكمبيوتر عنده بعد العاشرة مساء ليعودوا إلى بيوتهم.

هذا الشاب المثابر له صولات وجولات في تصليح الكمبيوترات، إذ قال لي أنه اكتشف طريقة لإصلاح اللوحات الأم (ماذربورد) المتوقفة عن العمل، وذلك عن طريق غسلها بالماء العادي ثم تركها حتى تجف تماما، وبعض اللوحات عاد للعمل بعد هذا الاستحمام.

مرة جاءه عميل بقرص صلب محروق، فجرب وضعه في الفريزر ووضع عليه بعض الثلج ونجح في تشغيله بما يكفي لنقل البيانات التي كانت عليه. كروت الذاكرة التي لا تعمل يحك أطرافها بالمحاية (الجومة) ليعود بعضها للعمل من جديد… إنه ببساطة لا ييأس بسهولة… رغم وضعه وفقره وسوء أحوال بلده. هذا يذكرني بالحكمة القائلة: من الصعب هزيمة شخص لا ييأس.